تلعب.. تخسر أو تفوز.. فأنت إذن موجود !

http://ffrim.org/ar/plugins/content/fboxbot/thumbs/thiara_150x194_0d4588f537e8c04f828c83e55335e1d1.jpg
المشجع الوطني ترتورا

لعب المنتخب الوطني الأول.. ظهر المنتخب الوطني الأول.. تحدث الإعلام عن المنتخب الوطني الأول.. تابع الجمهور المنتخب الوطني الأول..، فرح .. حزن .. قلق .. اطمئنان .. ثناء.. انتقاد.. تفهم.. تساؤل.. كل ذلك يترجم حالة صحية طبيعية .. ففي العالم من حولنا توجد جميع هذه المشاعر والصفات آنفة الذكر، حديث هنا عن الانتصار وآخر هناك عن الانكسار، كلام هنا عن الأفراح، وآخر هناك عن الأتراح، إنها ظاهرة كرة القدم بكل ما تعنيه من تناقضات وتغيرات؛ حيث تتبدل المشاعر والتعابير عنها بتبدل ظروفها وأحوالها التي تتغير أحياناً بأسرع من رمشة عين..

قبل سنوات من الآن لم يكن لموريتانيا منتخب وطني أصلاً، ولا هي حتى تملك دورياً كروياً منتظماً.. حيث كانت كرة القدم لدينا تعيش في سبات عميق، أو هي في موت سريري لا تنتظر من ينتشلها منه..

اليوم تغيرت الأحوال فجأة.. أصبح لموريتانيا منتخب وطني، يخسر أو يفوز، لكنه موجود، لها دوري محلي قوي يشهد منافسة شرسة بين 14 فريقاً، ولها منتخبات ناشئة وشابة تقارع أعتى الفرق وأساطين كروية ذات قامات سامقة في هذا المجال..

هذا كل ما كنا نطلبه ونسعى إليه، والنجاح لا يأتي من فراغ.. ومشوار الألف ميل يبدأ بخطوة، وقبل كل نجاح يوجد فشل.. لذلك على الجماهير الكروية أن لا تحزن ولا تضعف معنوياتها بعد الخسارة من منتخب مصر، ففي الظروف العادية جداً فإن أي منتخب يمكن أن يخسر من مصر، فما بالنا بظروف غير عادية، فمنتخبنا قادم إلى الواجهة (حتى لا أقول عائد إليها لأنه لم يكن موجوداً أصلاً) بعد سنوات عجاب أفل فيها نجمه وتوارت شمسه عن الظهور..

مباراة الأمس مع مصر تندرج بالذات ضمن نوعية المباريات المطلوبة من طرف الجمهور الموريتاني، فبالاحتكاك مع منتخبات قوية وعتيدة فحسب يمكننا أن نحصل على منتخب قوي، ولا تهمنا النتيجة الآن بقدر ما يهمنا الأداء والشجاعة والتعود على مقارعة الكبار والاحتكاك بهم، لأننا غداً عندما نسعى إلى المشاركة في تصفيات كأس الأمم الأفريقية أو كأس العالم، فإن القرعة لا شك ستضعنا في مجموعة تضم أحد المنتخبات الكبيرة أو اثنين أو ثلاثة منها، ولن يساعدنا حينها في وقت الشدة إلا ثمرة للعب معها إلا ثمرة الاحتكاك بها في أوقات الرخاء في المباريات الودية.. كذلك يفعل العاقلون الذين يبحثون على الجدوائية دون خوف أو قلق من مواجهة منتخب كبير.

لقد سئمنا خدعاً وكذباً ومماطلةً، ففي السابق كانت الاتحادية توفد منتخبنا الوطني إلى إحدى الدول المجاورة لخوض معسكر "تدريبي" قبل الدخول في تصفيات إحدى البطولات، ويقال لنا -من خلال نشر أخبار خجولة في صحف فرانكفونية مهملة- إن المنتخب لعب مباريات ودية "مهمة"، مع أندية محلية في تلك الدولة التي يقام فيها المعسكر دون حديث عن نتائج تلك المباريات "المهمة"، وعند المشاركة في التصفيات الجدية يتجرع المنتخب أسوأ النتائج مقدماً أسوأ العروض وأبخس الأداء.. !

وعند تتبع حقيقة أحد تلك المعسكرات الخارجية يتبين أنها كانت مجرد "نزهة" لأعضاء في الاتحادية وأن المباريات الودية التي لعبت كانت مع أندية محلية ضعيفة غير مصنفة أصلاً، ومع ذلك كان منتخبنا يخسر منها في كل مرة وبنتائج كبيرة.. ومن البديهي عندها أن فوائده منها كانت هزيلة "لا تسمن ولا تغني من جوع"..

لذلك فنحن اليوم نؤيد بقوة السياسة الجديدة باللعب مع الكبار، مع المنتخبات المعروفة قوية كانت أو متوسطة أو ضعيفة، وبشكل شفاف؛ حتى إذا ما خسرنا أو فزنا استعطنا أن نميز "الغث من السمين" في منتخبنا، وعرفنا مناطق الخلل ومكامن الضعف، ونقاط القوة في كل ما لدينا، فبهذه السياسة الشفافة وحدها يمكننا أن ننجح في يوم ما ونحقق ما نحلم به.

وبالعودة إيجازاً إلى قليل من تفاصيل لقاء الأمس أمام مصر، نجد أن منتخبنا الوطني قدم أداءً جيداً في العموم، وقد لاحظنا أنه مع مرور الوقت كان أداؤه يتحسن تصاعدياً وتلك وحدها نتيجة إيجابية، ومؤشر مطمئن في كرة القدم، وبشكل سريع يمكننا تسجيل الملاحظات التالية:

    عندما تستقبل الأهداف من أخطاء فردية لا من غياب التجانس والانسجام، فهذا يعني أن الخلل من النوع البسيط الذي يمكن التغلب عليه بسرعة من خلال استبدال عنصر بعنصر أو تحسين أداء هذا العنصر.
    معظم اللاعبين الذين شاركوا في اللقاء أمس كانوا يخوضون مباراتهم الدولية الأولى ومع ذلك أثبت بعضهم كفاءة عالية تؤهله لتمثيل المنتخب دائماً.
    اللياقة البدنية للاعبين لم تكن سيئة في الشوط الثاني وهذا يعطينا انطباعاً جيداً عن مدى قوة المستوى الفني للدوري المحلي، ويطمئننا على الاعتماد على اللاعبين المحليين في العديد من استحقاقات المستقبل.
    التغييرات التي أجراها المدرب كان موفقة جميعاً وقد طمأنتنا على حسن قراءته لمجريات اللعب؛ حيث استطاع في الشوط الثاني أن يحد تماماً من خطورة المنتخب المصري رغم أن هذا الأخير أشرك عدداً من النجوم المعروفين أصحاب الخبرة الطويلة، كما أدت تغييراته إلى تحسين أداء المنتخب وارتفاع النسق لديهم.
    تعتبر مباراة مثل هذه خير إعداد للدخول في غمار تصفيات كأس أمم أفريقيا للمحليين العام المقبل، ولذلك فإن هذه المباراة أعطت المدرب صورة واضحة عن قدرات وإمكانيات العديد من اللاعبين.

أخيراً؛ أتمنى أن يواصل منتخبنا الوطني المشاركة في المباريات الودية وأن يحاول التنويع في المنافسين باللعب مع القوي والمتوسط والضعيف، وأن نتذكر دائماً أن العيب ليس في أن نخسر، ولكن العيب كل العيب أن لا نشارك خوفاً من الخسارة..

بقلم: محمد ولد اندح المصدر 

كووورة موريتانية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق